التواجد الاقتصادي الروسي في سوريا وتداعيات سقوط الأسد

الملخص التنفيذي

شهد العقد الذي سبق انهيار نظام الأسد تصاعدًا كبيرًا في النفوذ الاقتصادي الروسي داخل سوريا. فمنذ تدخّلها العسكري في أيلول/سبتمبر 2015، استطاعت موسكو أن ترسّخ حضورًا سياسيًا وعسكريًا مكّنها من فرض نفوذ اقتصادي واضح، لا سيما في قطاعات الطاقة، والموارد الطبيعية، والأمن. ويهدف هذا التقرير إلى سدّ فجوة معرفية مهمة من خلال تحليل موسّع للمصالح الاقتصادية الروسية في سوريا خلال سنوات الحرب، مع تحديد الجهات الفاعلة الرئيسية من الجانبين، والكشف عن المستفيدين الحقيقيين الذين استخدموا واجهات قانونية لتجنّب العقوبات، وتحليل كيف استفادت النخب الحاكمة في دمشق وموسكو من هذه العلاقة.

يعتمد التقرير على قاعدة بيانات داخلية مدعومة بمصادر رسمية وغير رسمية، لتحليل الروابط التنظيمية والمالية والسياسية بين الفاعلين الاقتصاديين السوريين والروس قبل سقوط النظام. كما استند إلى معلومات موثّقة حول 35 شركة روسية تنشط في سوريا، بالإضافة إلى بيانات من سجلات تجارية حول العالم، وأدوات البحث مفتوحة المصدر، وقوائم العقوبات، ما أتاح رسم شبكة مكوّنة من 330 كيانًا وشخصية تشكّل أساس التحليل.

تكشف النتائج أن ما بدا وكأنه انتعاش اقتصادي في عامي 2018 و2019، تزامنًا مع المكاسب العسكرية للنظام، شجّع عددًا من الشركات الروسية على تأسيس وجودها في السوق السورية. إلا أن هذه التوقعات سرعان ما تراجعت، مع استمرار الأزمة الاقتصادية حتى سقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر 2024. ورغم استعداد بعض الشركات الروسية للاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار في حال بقاء الأسد، بقيت عائداتها محدودة نسبيًا، واقتصرت على أنشطة مثل الشحن البحري في ميناء طرطوس، واستخراج الفوسفات. وهذا يؤكّد أن المصالح الروسية في سوريا كانت مدفوعة بالاعتبارات الجيوسياسية، أكثر من سعيها لتحقيق أرباح اقتصادية مباشرة.

تُظهر النتائج كذلك أن النفوذ الاقتصادي الروسي في سوريا تمركز في يد شخصيتين مقرّبتين من الرئيس فلاديمير بوتين: يفغيني بريغوجين، الذي لقي مصرعه في عام 2023، وجينادي تيمتشينكو. ارتبط بريغوجين بمجموعة "فاغنر"، التي تمثّل نموذجًا على تداخل المصالح بين الدولة والقطاع الخاص في روسيا، وكان له دور واضح في قطاعات الأمن والطاقة. أما تيمتشينكو، فقد لعب دورًا أكثر أهمية واستمرارية، خاصة في مجالات استخراج الفوسفات، والنقل البحري، والبتروكيماويات، والنفط، مما جعله طرفًا مركزيًا في المشهد الاقتصادي الروسي في سوريا.

كما يوثق التقرير ارتكاب جهات روسية لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من أبرزها قيام عناصر من "فاغنر" بتعذيب وقتل مواطن سوري في واقعة موثّقة بالفيديو. في المقابل، تكبّد دافعو الضرائب الروس تكلفة التدخل العسكري، التي قدّرت بين 2 و3 مليارات دولار أمريكي، في حين ذهبت معظم العائدات الاقتصادية إلى عدد محدود من رجال الأعمال المقرّبين من بوتين. وفي الأثناء، شهد السوريون كيف فرّط نظامهم بثرواتهم لصالح قوى أجنبية، في محاولة يائسة للبقاء في الحكم.

ومع تولّي أحمد الشرع رئاسة الحكومة الانتقالية، لا تزال ملامح السياسة الخارجية السورية قيد التشكّل. وقد حاول الشرع في الأشهر الأولى اعتماد نهج متوازن في علاقاته مع القوى الدولية، بما فيها روسيا، التي لم يتقلّص وجودها العسكري أو الاقتصادي بشكل ملحوظ. وعلى الرغم من دعم موسكو الطويل للأسد خلال الحرب، فإنّ الواقعية السياسية التي يتّبعها الشرع قد تُبقي الباب مفتوحًا أمام علاقات ثنائية مع روسيا، لا سيما إذا ما استمرت الولايات المتحدة في سياسة الانكفاء، ورفضت رفع العقوبات التي تعود إلى الحقبة السابقة، بما في ذلك تصنيف الشرع وجماعته السابقة ضمن قوائم الإرهاب.

ونظرًا لمحدودية الموارد الطبيعية السورية، وغياب آفاق جدّية لإعادة الإعمار في المدى المنظور، فإن الدوافع الروسية ستبقى على الأرجح عسكرية بالدرجة الأولى، وبخاصة ما يتصل بالقواعد البحرية والجوية، فضلًا عن الحفاظ على موطئ قدم سياسي في البلاد. ومع ذلك، فإن مصير المصالح الاقتصادية الروسية الحالية سيعتمد إلى حد كبير على مآلات التفاهمات السياسية المقبلة بين دمشق وموسكو.

يسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء على تفاصيل العلاقات الاقتصادية غير الشفافة التي ربطت روسيا بنظام الأسد، في خطوة تمهّد لجهود المساءلة، سواء عبر القضاء أو عبر العقوبات الدولية. كما أن تفكيك هذه الشبكات الاقتصادية ضرورة لأي حكومة سورية جديدة تُعنى بسيادة القرار الوطني، وتطمح لإعادة بناء علاقات دولية عادلة تقوم على المصالح المتبادلة، لا على الاستغلال والتبعية.

التوصيات السياساتية

تشكّل العقود الاقتصادية التي أُبرمت خلال فترة الحرب بين النظام السوري وروسيا نموذجًا واضحًا لعلاقات غير متكافئة، اتسمت بطابع استغلالي ومفروض على الشعب السوري في ظروف قسرية. كما يتحمّل كلٌّ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والنظام السوري المخلوع مسؤولية انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان. وفي هذه المرحلة المفصلية، يصبح من الضروري دعم الشعب السوري تحت الحكم الجديد لاستعادة حقوقه السيادية المرتبطة بهذه الاستثمارات. ويجب كذلك ممارسة ضغوط سياسية وقانونية على روسيا لضمان إعادة هذه الحقوق إلى أصحابها. وفي هذا السياق، يوصي التقرير بما يلي:


*إجراء مراجعة شاملة للعقود الاقتصادية المُبرمة في عهد الأسد وإعادة التفاوض بشأنها

ينبغي على الحكومة السورية الجديدة أن تُجري تدقيقًا صارمًا في كافة الاتفاقيات والعقود التي أُبرمت مع كيانات روسية خلال فترة حكم الأسد، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة، واستخراج الموارد، والنقل البحري، والأمن. ويجب أن تستند هذه المراجعة إلى البيانات المقدّمة في هذا التقرير، وإلى النسخ غير المنشورة من العقود القديمة، بهدف تعديل أو إلغاء تلك الاتفاقيات التي تمّ توقيعها في ظروف غير نزيهة أو تمثل انتهاكًا واضحًا للمصلحة الوطنية. ويجب أن يتم هذا الإجراء في إطار قانوني شفاف، وبما يضمن توازن المصالح بين الشعبين السوري والروسي، لا بين نخب الحكم في كلا البلدين.


* السعي إلى محاسبة قانونية واسترداد الأصول الروسية غير المشروعة

يتعيّن على الحكومة السورية، بالتعاون مع الدول الداعمة، ولا سيما في الغرب، أن تبادر إلى رصد ومعاقبة وتجميد الأصول غير المشروعة التي راكمها الأوليغارش الروس في سياق اقتصاد الحرب السوري، والعمل على إعادة توظيفها لصالح عملية التعافي الوطني. ويجب أن تتركّز هذه الجهود على الأفراد الذين لديهم حضور مالي أو قانوني في الدول الغربية، والذين تمّ تسليط الضوء عليهم في هذا التقرير، ما يجعل ملاحقتهم القانونية أمرًا ممكنًا وواقعيًا. وفي موازاة ذلك، ينبغي دعم مبادرات التقاضي الدولي ضد الشبكات الاقتصادية المرتبطة بجرائم الحرب، أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أو خرق القانون الدولي.


للاطلاع على ملخص الدراسة والتقرير الكامل (باللغة الانجليزية)، اضغط هنا.