أثار سقوطُ نظامِ الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 نقاشًا واسعًا حول مسارِ الانتقالِ في سوريا وجهودِ إعادةِ البناء، وتركّز هذا النقاشُ بدرجةٍ كبيرة على رفعِ العقوباتِ الغربية المفروضةِ على سوريا منذ انطلاقِ الاحتجاجاتِ الشعبيةِ والتمردِ عام 2011. وقد استجابت الدولُ الفارضةُ للعقوبات، بما فيها دولُ الاتحادِ الأوروبي والمملكةُ المتحدة والولاياتُ المتحدة، للتغييرِ السياسي في دمشق، أولًا بتحفّظٍ ثم بقراراتٍ أكثرَ جرأة، عبر رفعِ معظمِ العقوباتِ القطاعيةِ والتجاريةِ والمالية، بدعوى إتاحةِ الفرصةِ لـ«سوريا الجديدة» كي تتمكن من الوقوفِ على قدميها.
غير أن الاهتمامَ كان أقلَّ بكثير فيما يتعلقُ بإدراجِ مئاتِ الأفرادِ والشركاتِ والكياناتِ المرتبطةِ بالنظام، الذين وُضعوا منذ عام 2011 تحت طيفٍ واسعٍ من العقوبات، شمل تجميدَ الأصول، والحظرَ على التعاملات، ومنعَ السفر. وتنوعت أسبابُ فرضِ هذه العقوبات، لكنها جميعًا ارتبطت بقمعِ النظامِ الوحشي ومسؤوليةِ شاغلي مناصبِه والمتعاونين معه عن جرائمِ حربٍ وجرائمَ ضدّ الإنسانية.
وبدا أن التعييناتِ الفرديةَ استندت أساسًا إلى توقعاتٍ بأن تُجبرَ العقوباتُ النظامَ على وقفِ العنفِ واسعِ النطاق ضدّ السكان، وأن تحفّزه على قبولِ انتقالٍ ديمقراطي، أو على الأقل إرسالِ إشارةِ رفضٍ لسياساته. لكن مع سقوطِ النظام، تحوّلت هذه العقوباتُ إلى أدواتٍ للمساءلة عن جرائمه. ويبحثُ هذا التقريرُ في الترابطِ بين التعييناتِ الفردية، أو العقوباتِ الموجَّهة، والحاجةِ إلى العدالةِ الانتقاليةِ والمساءلةِ في مرحلةِ ما بعد الأسد، والخطواتِ التي اتخذتْها الحكومةُ الانتقاليةُ بقيادةِ هيئةِ تحريرِ الشام والدولُ الفارضةُ للعقوبات في هذا السياق.
خلافًا لمعظمِ العقوباتِ التجاريةِ والماليةِ المفروضة على سوريا، استمرت أغلبُ العقوباتِ الفردية. وتشمل هذه العقوباتُ نسبةً كبيرةً من مسؤولي النظامِ السابق: شاغلي مناصبَ سياسيةٍ عليا، كبارَ الضباط، رؤساءَ الأجهزةِ الأمنية، نخبَ الأعمال المرتبطة بالنظام، المهربين المرتبطين بتجارةِ المخدرات، وقادةَ الميليشيات التي اعتمد عليها النظامُ في مواجهةِ التمرّد. وأوضحت الدولُ الفارضةُ للعقوبات، خلال مراجعتِها للعقوباتِ على سوريا، أنها لا تعتزم شطبَ معظمِ هذه التعيينات.
وفُرضت بعضُ الإجراءاتِ التقييدية الإضافية على أفرادٍ وكياناتٍ جديدة، خصوصًا بعد موجةِ العنفِ الطائفي في الساحل في آذار/مارس 2025. ومع ذلك، باتت أنظمةُ العقوباتِ المفروضة من الاتحادِ الأوروبي والمملكةِ المتحدة والولاياتِ المتحدة، في جوهرِها، أدواتٍ لفرضِ المساءلة عن الجرائمِ التي ارتكبها نظامُ الأسد.
وتبرز الحاجةُ إلى استراتيجيةٍ للعقوباتِ تدعمُ جهودَ العدالةِ الانتقاليةِ في سوريا وتكملُها. فقد غادر كثيرون من مسؤولي النظام السابق خارج البلاد، وهرّبوا أصولَهم، وواصلوا الاعتمادَ على شبكاتٍ دولية تساعدُهم على الإفلاتِ من العدالة. ويمكن للعقوباتِ الدولية أن تقلّص قدرتَهم على المناورةِ وتحُدَّ من الوصولِ إلى أصولِهم. وفي المقابل، تعاني القدراتُ القضائيةُ المحليةُ ضعفًا شديدًا يحول دون ملاحقةِ مرتكبي الجرائمِ الكبرى؛ وهنا يمكنُ للعقوباتِ الفرديةِ أن تعزّز هذه القدرات أو تكملها أو تؤدي جزءًا من دورِها مؤقتًا.
ويبقى السؤالُ الإشكالي هو: كيف يمكنُ دمجُ التعييناتِ الفرديةِ ضمن منظومةِ العدالةِ الانتقاليةِ في سوريا بما يخدمُ المساءلة؟ فقد اتخذ المدرجونَ على قوائمِ العقوبات خطواتٍ كبيرةً للتحايلِ على آثارِها، خصوصًا عبر الانتقالِ إلى دولٍ تتجاهل العقوباتِ الغربية. ويضافُ إلى ذلك أن السلطاتِ الانتقالية مطالبةٌ بإيجاد توازنٍ بين الاستجابةِ للمطالبةِ الواسعة بالمساءلة وبين متطلباتِ الحفاظِ على السلمِ الأهلي والإصلاحِ الاقتصادي. ويمكن للعقوباتِ أن تدعم هذا التوازن أو أن تعقّده تبعًا لطريقةِ تصميمِها وتنفيذِها. ولتحقيقِ المساءلةِ الحقيقية، ينبغي استهدافُ أبرزِ المنتهكين بعناية، كما ينبغي إعادةُ تقييمِ التعيينات القديمة حالةً بحالة.
ولا يكفي إدراجُ الأسماء لضمانِ فعاليةِ العقوبات؛ بل يستلزمُ الأمرُ دمجًا أعمق للعقوباتِ في السياسةِ الخارجيةِ للدولِ الفارضة، وفي مسارِ مساعداتها، وفي إجراءاتِها القضائية. كما يفترض أن تلتزمَ هذه الدولُ بالشفافيةِ والمساءلةِ في عملياتِ الإدراجِ التي تُجريها. وأخيرًا، ينبغي الاستعدادُ للمرحلةِ التي تتجاوزُ العقوباتِ نفسها، بما يشمل التعقيداتِ المرتبطةَ بمصادرةِ أصولِ المدرجين واستردادِها لصالح الضحايا، رغم أن هذا التقرير لا يتناول هذه القضايا تفصيلًا.
يوثّق هذا التقرير ويحلّل كيفيةَ استجابةِ الدولِ الفارضةِ للعقوبات، والحكومةِ الانتقاليةِ السورية، والمجتمعِ المدني السوري منذ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 للتحديات المرتبطة بالعدالةِ الانتقالية والمساءلة، وذلك من خلال إدراجِ ومعاقبةِ المسؤولين عن جرائمِ الحرب والجرائمِ ضدّ الإنسانية في عهد نظام الأسد. ويُقِرّ معدّو التقرير بأن هذه التحديات كانت هائلة، وأنه قد يكون من المبكر استخلاصُ استنتاجاتٍ نهائية.
وكان على مقتضياتِ العدالة والمساءلة وفعاليةِ العقوبات أن تتنافس مع أولوياتٍ أخرى، بما في ذلك إدارةُ الصراعِ الفورية ضمن المجتمعِ المنقسمِ بشدة الذي خلّفه نظام الأسد. وواجهت السلطاتُ الانتقالية وما تزال تواجه مهامًا جسيمة، من إعادةِ بناءِ المؤسساتِ الحكومية، وتلبيةِ الاحتياجاتِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ العاجلة، إلى التعاملِ مع السياسات العدائية التي انتهجها جيرانُ سوريا، ومنهم إسرائيل. لكنّ التقريرَ يرصدُ ميلًا مقلقًا نحو تراجعِ الاهتمامِ بالعدالةِ الانتقالية والمواءمةِ الفعّالة للعقوباتِ الفردية مع مقتضياتِ المساءلة، لصالح اعتباراتٍ أخرى أو تحت وطأتها. وقد أخفقت السلطاتُ الانتقالية حتى الآن في تحقيقِ التوازنِ المطلوب بين العدالة والاعتباراتِ العملية المرتبطة بالحفاظِ على الاستقرارِ واستعادةِ التعافي. والأسوأ أن النهجَ الذي اتبعته لم يكن شفّافًا ولا تشاركيًا، مما يهدد بتبديدِ نافذةِ الفرصة التي أتاحها سقوطُ النظام، وقد يدفع الضحايا إلى الشعورِ بخيبةِ الأمل أو حتى إلى السعي لاتخاذِ خطواتٍ فردية.
وقد فشلت الدولُ الفارضةُ للعقوبات أيضًا حتى الآن في اتخاذ الإجراءاتِ الحاسمة لضمان أن تكون العقوباتُ محددةً بدقة، ومنفّذةً بفعالية، ومدعومةً بأدواتٍ أخرى. كما أنها لا تلتزم بالمعاييرِ ذاتها من الشفافية والمساءلة التي يُفترض أن تخدمَها عقوباتُها. ولم تبدأ الحكومةُ الانتقاليةُ السورية والدولُ الفارضةُ للعقوبات بعدُ حوارًا فعّالًا ينسّق السياساتِ والأولوياتِ بين الطرفين، مما يثير خطرًا حقيقيًا بأن تتعارض هذه السياسات أو تتصادم.
ويتناول التقريرُ مراجعةً موسعةً لمئاتِ الأفرادِ والكياناتِ الخاضعين للعقوبات الغربية منذ سقوطِ النظام. ويُميّز — بصورةٍ أولية — بين «الأتباع»، و«نخب الأعمال»، و«البيروقراطيين»، لتوضيح كيف لعب كبارُ مسؤولي النظام (من عائلة الأسد والمقرّبين وقياداتِ الجيش والمخابرات)، ورجالُ الأعمال المرتبطون بالنظام («الواجهات» و«الوسطاء»)، والمسؤولونَ الحكوميون، دورًا في ترسيخِ الحكمِ القمعي القائمِ على العنفِ واسعِ النطاق وإنكارِ الحقوقِ الأساسية.
ويقدّم التقريرُ بعد ذلك تقييماً لمواقعِ وجودِ الأفرادِ المدرجين، وأصولِهم، وأوضاعِ الشركاتِ الخاضعةِ للعقوبات في مرحلةِ ما بعد الأسد.
ويعرض التقرير سياساتِ الحكومةِ الانتقالية المتعلقة بالعدالةِ الانتقالية، ويناقش رؤيتَها، ويستعرض الانتقاداتِ الموجّهة إليها في مجال المساءلة عمومًا، وفي تعاملها مع مسؤولي النظام السابق على وجه الخصوص. ثم يفكّك نهجَ الحكومةِ الانتقالية تجاه رجالِ الأعمالِ المرتبطين بالنظام السابق، ودوافعَها لإبرامِ الصفقاتِ مع بعضهم، وممارساتِها المتعلقةِ بمصادرةِ أصولِهم وإعادةِ هيكلةِ شركاتِهم.
ويختتم التقرير بتقييم قوائمِ الأفرادِ والشركاتِ الخاضعين للعقوبات، وكيف يمكن تحسينُها لخدمةِ المساءلة عن جرائمِ نظام الأسد، وكيف يمكن جعلُ فرضِ العقوبات أكثرَ شفافيةً ومساءلة، إضافةً إلى تعزيز فاعليةِ تنفيذِها عبر دمجِها بصورةٍ أعمق في السياسة الخارجية للدول الفارضة، والدبلوماسية، والمساعدات، والإجراءات القضائية.
يركّز هذا التقرير على العقوباتِ الموجَّهة التي فرضها كلٌّ من الاتحادِ الأوروبي والمملكةِ المتحدة والولاياتِ المتحدة فقط. ولا يتناولُ تقويمَ التعييناتِ التي فرضتْها دولٌ أخرى، مثل سويسرا وأستراليا وكندا، رغم أن عقوباتِ هذه الدول تتقاطعُ بدرجةٍ كبيرة مع عقوباتِ الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، مما يجعلُ نتائجَ التقرير ذاتَ صلةٍ بها أيضًا. كما لا يتناول التقريرُ بصورةٍ مباشرة التعييناتِ الفردية التي فرضها مجلسُ الأمن التابعُ للأمم المتحدة على أفرادٍ وكياناتٍ مرتبطةٍ بالوضعِ في سوريا. فالأفرادُ والكياناتُ الخاضعون للعقوباتِ الأممية يكادون يقتصرون على المشتبهِ بضلوعِهم في أنشطةٍ جهادية أو «إرهابية» داخل سوريا. وقد أدّت الانقساماتُ الحادّة داخل مجلس الأمن بشأن الأزمة السورية إلى حصرِ التوافقِ في إدراجِ هؤلاء فقط، مقابلَ العجزِ عن إدراجِ المسؤولين عن انتهاكاتِ حقوق الإنسان المرتبطةِ بنظامِ الأسد.
ورغم أن التقرير يركّز على قضايا المساءلة المرتبطةِ بأعضاءِ النظام السابق الخاضعينَ للعقوبات والمتواطئين معهم، فإن العدالةَ الانتقالية الحقيقية في الواقع لا يمكن أن تكون انتقائيةً إلى هذا الحد. ويدرك معظمُ السوريينَ ذلك، كما أظهره استطلاعُ رأي أُجري بين تموز/يوليو وآب/أغسطس 2025، إذ عبّر 65% من المستجيبين عن أن «أي شخص شارك في جرائمَ حرب، سواء من النظام السابق أو من المعارضة»، يجب أن يُحاسَب. وبذلك، فإن استراتيجيةً فعّالةً وذات مصداقيةٍ للعدالةِ الانتقالية تتطلّب شمولَ جميعِ مرتكبي الانتهاكاتِ الجسيمة وجرائمِ العنف في أثناء الصراع السوري. وقد أخفقت الحكومةُ الانتقاليةُ السورية حتى الآن في هذا الاختبار، إذ حصرت رؤيتَها للعدالةِ الانتقالية بمحاسبةِ مرتكبي الجرائم من أفرادِ النظام السابق، مما فتح البابَ للإفلات من العقاب أمام آخرين يتحمّلون مسؤوليةً مماثلة عن جرائمِ حرب وجرائمَ ضد الإنسانية، بينهم أفرادٌ من هيئةِ تحرير الشام ومجموعاتٌ مسلّحةٌ أخرى متحالفةٌ مع الحكومة الحالية.
وخلال إعدادِ هذا التقرير، واجه فريقُ البحث عقباتٍ خطيرةً في الحصولِ على بياناتٍ موثوقةٍ وواضحةٍ وكاملةٍ ومتحقَّقٍ منها. فالصعوباتُ الكبيرة التي تعترض تجاوزَ هذه العقبات تُعبّر عن عمقِ الاختلالات التي تعاني منها مساراتُ العدالةِ الانتقالية في سوريا بعد سقوط النظام، كما تُظهر نقصَ الشفافية في منظومةِ العقوبات التي تدّعي السعيَ إلى فرضِ المساءلة.
ولعب نظامُ الأسد دورًا مهمًا في إخفاءِ مسؤوليتِه عن الجرائم، وفي طمسِ الفسادِ والتواطؤ والابتزازِ الذي ساد إدارةَ الاقتصاد. وكشفت الوثائقُ الصادرة عن أجهزةِ المخابرات السورية—حين أمكن الوصول إليها—عن جوانبَ من جرائم النظام، فيما كشفت جوانبَ أخرى عن «ألعابِ الظلّ» داخل منظومتِه، من مكائدَ وصراعاتٍ داخليةٍ كان فيها التضحيةُ بالحقائق أمرًا مألوفًا للحفاظِ على النفوذِ أو النجاة.
وبعد سقوط النظام، حاول كثيرون من مسؤوليِه وحلفائِه من رجالِ الأعمال الذين غادروا البلاد محوَ آثارِهم وإخفاءَ أصولِهم، والاحتماء بالسيادةِ القانونية للدول المضيفة التي من غير المرجّح أن تقومَ بمحاكمتِهم أو تسليمِهم. وفي المقابل، أدّى غيابُ الشفافية لدى الحكومة الانتقالية—بل وسريّتُها في الملفات المرتبطة بالمساءلةِ والعدالة الانتقالية، خصوصًا ما يتعلّق بنخبِ الأعمال وشركاتِهم—إلى تعقيد جهودِ جمعِ البيانات والوثائق.
وفي ظلّ هذه البيئة المعقّدة، انتشرت شائعاتٌ غير مؤكدةٍ وتقاريرُ مضلّلة، مما جعل التمييزَ بين الحقائقِ والادعاءاتِ مهمةً صعبة. ووجد فريقُ البحث أن الصفقاتِ الغامضة والمتقلّبة بين الحكومة الانتقالية ومرتكبي الجرائم من مسؤولي النظام السابق—ومن بينهم رجالُ أعمال—أوجدت مناخًا من الخوف جعل المخبرين المحتملين، مثل المحاسبين الذين عملوا مع نخب النظام الاقتصادية، يترددون في تقديم المعلومات. فقد خشي هؤلاء من تعرضِهم للعقاب، سواء من الحكومةِ الجديدة أو من رؤسائِهم المرتبطين بالنظام السابق ممن ما زالوا يملكون النفوذ أو يمكن أن يُعاد تأهيلُهم.
وزادت من التعقيد حالاتُ الخلطِ في الهوية، مثل الفيديو الذي ظهر في قاعدة حميميم الروسية في آذار/مارس 2025 لرجلٍ يهتف بشعاراتٍ مؤيدةٍ للأسد ويطالب بالحماية الدولية، وقيل إنه العميد «جمال يونس»، أحد قادة الفرقة الرابعة الخاضع للعقوبات والمرتبط بجرائم فادحة. لكن الرجل نفسه ظهر لاحقًا في فيديو آخر ينفي فيه أن يكون جمال يونس. وفي حوادث أخرى، اتضح أن أخبارَ اعتقالِ مسؤولين سابقين لم تكن سوى خدعٍ إعلامية، مثل ما تردّد في كانون الثاني/يناير 2025 عن توقيف «غسان جودت إسماعيل»، رئيسِ إدارةِ المخابرات الجوية.
وباختصار، فإن تناولَ موضوعٍ شديد الحساسية كالذي يبحثُه هذا التقرير، وفي ظل ظروفٍ مضطربة، يفرضُ مستوىً مرتفعًا من أدلةِ الإثبات—ولكن ضمن حدودٍ واقعية. وقد طلب معظمُ من أُجريت معهم المقابلات عدمَ كشفِ أسمائهم. وفي حالاتٍ أخرى، لم يكن بالإمكان سوى وصفِ طبيعةِ بعضِ الوثائقِ أو مضمونِها العام، لأن نشرَها قد يعرّضُ مقدّميها للخطر. وأوضح التقرير—وفي ملاحقه—بشكلٍ دقيق مستوى الثقة الممنوح لكل معلومة.
وقد أرسل فريقُ البحث نسخةً أولية من التقرير إلى الحكومة الانتقالية السورية والدولِ الفارضةِ للعقوبات. وناقش مكتبُ الخارجية والكومنولث والتنمية البريطاني التقريرَ معنا في اجتماعٍ عبر الإنترنت، بينما أفادت وزارةُ الخارجية الأميركية بأنه لا توجد لديها أسئلةٌ أو تعليقاتٌ إضافية. أما الحكومةُ الانتقاليةُ السورية ومكتبُ الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فلم يردّا.
ويستند التقريرُ إلى طيفٍ واسع من المصادر. وكانت المصادرُ المفتوحةُ المتاحةُ للجمهور، بما فيها وسائلُ التواصل الاجتماعي، ضروريةً لتوجيه التحقيقات. كما قام فريقٌ صغير من باحثي المعلومات المفتوحة (OSINT) في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية بجمعِ كمٍّ كبير من البيانات وتحليلِها، وكان لهذا الدور أهميةٌ خاصة في تتبُّع أماكنِ وجود مسؤولي النظام السابق ورجالِ الأعمال، وتحديد أوضاعِ الشركات الخاضعة للعقوبات. وضمّ الفريقُ: محمود العلاشيق، جوان شليلا، وأحمد دندشي.
وفي ما يخص نخبَ الأعمال وشركاتِهم وشبكاتِهم وصلاتهم بالمسؤولين خلال عهد الأسد، اعتمد التقريرُ على قاعدة بيانات المرصد التي ترسمُ عشراتِ آلافِ العلاقاتِ الموثقة بين فاعلين سوريين وغير سوريين، بمن فيهم شركاتٌ مسجّلة، وأعضاءُ مجلس الشعب، ورؤساءُ الأجهزة الأمنية، وقادةٌ دينيون، وأمراءُ حرب، ومنظماتٌ مجتمع مدني، ووكالاتٌ أممية، ورجالُ أعمال، وقادةُ ميليشيات، وضباطٌ كبار في الجيش السوري. وحين كان ذلك ضروريًا، جرت الاستفادة من قاعدة بيانات المرصد المتعلقة بلبنان. وتستند هذه القواعدُ إلى مصادر عديدة، من بينها الجريدةُ الرسمية السورية واللبنانية، والإعلاناتُ الحكومية، وسوقُ دمشق للأوراق المالية، والأخبارُ المفتوحة، وغيرها من مصادر كقاعدة بيانات مشتريات الأمم المتحدة، والأفلام الوثائقية، والنعوات. وتشمل القاعدة جميعَ الأفراد والكيانات الخاضعين للعقوبات الأوروبية والبريطانية والأميركية. وقدّم وائل العلواني الدعمَ التقني في استخدام قاعدة البيانات.
وأخيرًا، استند التقريرُ إلى عدد كبير من المقابلات في سوريا—أساسًا في دمشق—خلال زياراتٍ متعددة: في كانون الأول/ديسمبر 2024، وأيار/مايو–حزيران/يونيو، وتموز/يوليو، وتشرين الأول/أكتوبر 2025. كما جرت مقابلاتٌ قصيرة في بيروت خلال بعض هذه الزيارات. واستفاد التقرير من مقابلاتٍ إضافية أجريت قبل سقوط النظام، نفّذها مساعدون بحثيون داخل سوريا بشكلٍ سري. وشملت العيّنةُ رجالَ أعمال، ومسؤولين في الحكومة الانتقالية، ووسطاء، ومقاتلين سابقين، وصحفيين، وناشطين حقوقيين، ومحامين، ومسؤولين سابقين في النظام. وأجريت نحو اثنتي عشرة مقابلةٍ عبر الإنترنت مع مسؤولين في الدولِ الفارضةِ للعقوبات والاتحاد الأوروبي، وناشطين حقوقيين، وباحثين، ورجالِ أعمالٍ سوريين مقيمين في الخارج، ومحامين دوليين.