يقدّم هذا التقرير خريطة لشبكات التهريب بين سوريا ولبنان، ويحدّد أبرز الفاعلين والمسارات والأساليب المستخدمة في تهريب المحروقات والمخدرات والبشر. ويبحث في الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي تتيح لهذه العمليات الاستمرار، ويقيّم كيف تعيد التحولات في ميزان القوى تشكيل المشهد، بما في ذلك تراجع نفوذ حزب الله في لبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا. ويختتم التقرير بجملة من التوصيات الداعمة لاستجابة منسّقة وشاملة للحد من التهريب عبر الحدود.
استند البحث إلى مراجعة موسعة للبيانات مفتوحة المصدر التي تغطي الفترة بين كانون الثاني 2011 وآذار 2025 باستخدام أدوات آلية ويدوية. واستُخدمت قاعدة البيانات هذه لرسم خريطة الفاعلين وتحليل الروابط بينهم. ومن خلال الاعتماد على طيف واسع من المصادر، يقدّم التقرير صورة مفصلة عن هذه الشبكات غير المشروعة والسياق الاجتماعي والسياسي الأوسع الذي تعمل فيه.
تكشف نتائج البحث أن التهريب بين سوريا ولبنان تطوّر خلال العقد الماضي من شبكة فضفاضة من الفاعلين المستقلين إلى منظومة شديدة التنظيم. وأسهم انخراط فاعلين حكوميين وغير حكوميين في تعزيز هذه العمليات وجعلها مترسخة وقادرة على التكيّف بدرجة عالية. ويتيح غياب البنية الهرمية الصارمة لهذه الشبكات امتصاص الاضطرابات وتغيير الأساليب والتحايل على جهود المكافحة.
وعلى الرغم من تورط كلّ من النظام الأسدي السابق وحزب الله في تهريب المخدرات، يختلف نمط مشاركتهما. فقد حافظ النظام على سيطرة مركزية على كل مراحل تجارة الكبتاغون، من التصنيع إلى التوزيع الخارجي، بينما يبدو أن حزب الله يتجنب الانخراط المباشر ويوفر الحماية للمهربين لقاء مكاسب مالية وسياسية.
ويختلف تهريب المحروقات عن تهريب المخدرات في طبيعته الأقل مركزية نتيجة تعدد الفاعلين وتقلّب العرض والطلب. وتتبدل طرق التهريب والجهات الرئيسة وفق ظروف السوق ومستوى الضبط الأمني. كما تختلف الأساليب المستخدمة بحسب حجم العمليات وصلات القائمين عليها.
أما تهريب البشر، وهو ظاهرة أحدث مقارنة بتهريب المحروقات، فقد تصاعد خلال العقد الأخير بفعل العنف المستمر والانهيار الاقتصادي وتدهور ظروف المعيشة في سوريا. ويلعب المهربون السوريون واللبنانيون دوراً محورياً في هذا النشاط، إذ يعمل بعضهم بصورة مستقلة بينما يرتبط آخرون بشبكات أوسع تمتد خارج لبنان.
ورغم تباين أنماط هذه الأنشطة غير المشروعة، لا يشكل التهريب نشاطاً هامشياً بل منظومة راسخة تدعمها التواطؤات السياسية والحاجة الاقتصادية والاختلالات المؤسسية. فقد أسهمت عقود من ضعف ضبط الحدود والفساد والفجوات الاقتصادية في خلق بيئة تصبح فيها التجارة غير المشروعة أمراً مقبولاً بل وميسّراً، بما يجعلها جزءاً من بنية السلطة في البلدين.
ورغم التحولات السياسية الأخيرة في سوريا ولبنان، لم تتأثر عمليات التهريب بعمق. فالشبكات الراسخة وضعف تطبيق القوانين والضغوط الاقتصادية المستمرة تبقي هذه الأنشطة نشطة. وتبدو السلطات في البلدين انتقائية في حملاتها، إذ تمنح أولوية أكبر لمكافحة المخدرات مقابل تجاهل تهريب المحروقات من لبنان إلى سوريا إلى حدّ كبير. وفي ملف تهريب البشر، يركّز لبنان على منع دخول السوريين بصورة غير رسمية، بينما لا تعطي الحكومة السورية المؤقتة هذا الملف وزناً كافياً.
ومن المرجّح أن يستمر التهريب بين البلدين في المرحلة المقبلة، إذ ستظل جهود مكافحته محدودة وانتقائية. وسيستمر غضّ الطرف عن تهريب المحروقات باعتباره يساعد في تخفيف النقص في سوريا من دون أن يفرض أعباء على لبنان. أما تجارة المخدرات فستواجه ضغوطاً متزايدة من الجانبين السوري واللبناني، غير أن الطلب القوي وضعف قدرات المكافحة سيبقيان النشاط قائماً. ومن المتوقع أيضاً استمرار تهريب البشر من لبنان إلى سوريا من دون تدخل كبير، في حين سيواصل لبنان السعي للحد من دخول السوريين بصورة غير رسمية من دون أن ينجح في وقف النشاط العابر للحدود بشكل كامل.
ويستلزم الوصول إلى حل مستدام معالجة الجذور المتمثلة في الانهيار الاقتصادي والهشاشة المؤسسية وإخفاق منظومات الحوكمة. ويتطلب ذلك تعزيز المؤسسات الحكومية، وتحسين التعاون الحدودي، وخلق بدائل اقتصادية قابلة للحياة، والتقليل من الآثار الجانبية غير المقصودة للعقوبات الدولية. وتبقى مكافحة الفساد داخل الأجهزة الأمنية والحدودية شرطاً لا غنى عنه، إذ إن غياب المحاسبة والشفافية سيجعل أي حملة أمنية قصيرة الأجل، بينما تستمر شبكات التهريب في استغلال نقاط الضعف البنيوية.
للاطلاع على ملخص الدراسة والتقرير الكامل (باللغة الانجليزية)، اضغط هنا.