مقاييس الشبكات (4)
Date 2022-10-17
بيّنا في المدونة السابقة أنواع الشبكات والتي قد تكون ذات طبيعة واحدة أو متعددة، وقلنا إنه خلال مرحلة التحليل الشبكي، يتم تحويل شبكة الطبيعة المتعددة إلى عدة شبكات من الطبيعة الواحدة وتحليلها بشكل مستقل، وذلك ليكون لمقاييس الشبكات المستخدمة دلالة صحيحة ويصبح من الممكن عقد مقارنات منطقية. وهذه المقاييس عبارة عن مجموعة من المعايير التي تقيس بنية الشبكات وأنماط التفاعل بين الكيانات والعلاقات. نستعرض في هذه المدونة ثلاثة أنواع رئيسية من المقاييس مع بعض الأمثلة على كل منها.
أولًا: مقاييس الشبكة الإجمالية
هي المقاييس التي تركز على بنية الشبكة وهيكلها العام، ويمكن القول بأن الهيكل العام للشبكة له تأثير قوي على الكيانات بداخله ويحدد مستوى الأداء العام للشبكة وفعاليته، وهذه المقاييس هي:
- مقياس الكثافة: يشير إلى الكثافة العددية للعلاقات وحجم الاستقطاب داخل الشبكة.
- مقياس المركزية: يشير إلى الحد الذي تنزع إليه الشبكة لتكون مركزية حول مجموعة معينة من الكيانات، أي نسبة الكيانات المركزية داخل الشبكة، وهذا يعني بأن الشبكة كهيكل وبناء تنظيمي لا تنفي وجود تراتبية ومركزية، وذلك بخلاف الاعتقاد السائد حول الشبكات بأنها "لا مركزية" بالضرورة.
- مقياس التشظي: يشير إلى مدى التشظي داخل بنية الشبكة ووجود مجموعات مبعثرة من الكيانات غير المتصلة ببعضها.
- مقياس حجم الشبكة: يشير إلى عدد الكيانات في الشبكة.
- مقياس متوسط طول العلاقات: يشير إلى مدى ترابط الكيانات ببعضها وسهولة تواصلها بأقصر الطرق.
- قطر الشبكة: يشير إلى مدى اتساع الشبكة بحساب طول المسار بين أبعد كيانين في الشبكة.
ثانيا: مقاييس العناصر والشبكات الفرعية
هي مجموعة من المقاييس والخوارزميات التي تُعنى باكتشاف وتحديد التكتلات والشبكات الفرعية الموجودة ضمن الجسد الكلي للشبكة. هذه الشبكات الفرعية هي ما يمكننا تسميتها بـ "المجتمعات" والتي تشترك كياناتها بصفات معينة تجعلها مترابطة ببعضها بشكل كبير وأكثر كثافة، ولعل أشهر هذه المقاييس هو "معامل التكتل".
(يوضح المثال أدناه بعض التكتلات ضمن شبكة العائلات الأكثر نفوذًا في مصر، وهي جزء من مشروع جنرالات الذهب.)
ثالثا: مقاييس الكيانات وعلاقاتها
هي مجموعة من المقاييس التي تدرس الكيان الفردي والعلاقات التي حوله، وهناك العديد من هذه المقاييس، ولكن أهمها ما يلي:
- مقياس الدرجة: يشير إلى عدد العلاقات المتصلة مباشرة بالكيان، وارتفاع عدد العلاقات بشكل كبير جداً مقارنة بباقي الكيانات يجعل من هذا الكيان محورًا له تأثير كبير داخل الشبكة، لكن من المهم ملاحظة أن ارتفاع مقياس مركزية الدرجة لكيان ما لا يعني أنه الأكثر تأثيرًا من غيره في الشبكة، هو بلا شك من ضمن المؤثرين، ولكن عدد العلاقات وحده غير كاف لجعله الأكثر تأثيرًا.
- مقياس القرب: يقيس مدى قرب الكيان بباقي الكيانات الأخرى. في حسابات الكيانات الأكثر تأثيرًا، يتميز الكيان القريب جدًا من باقي الكيانات في الشبكة بأنه يستطيع نشر المعلومات بشكل أفضل من غيره، وبشكل يتفوق على المحور، ولهذا يطلق عليه مثلًا في شبكات المنظمات التي سنناقشها لاحقًا بأنه سمسار المعلومات.
- مقياس البينية: يقيس مدى تموضع كيان ما بين مجتمعين أو شبكتين فرعيتين أو أكثر، ويتم حسابه بمعرفة مدى تكرر وجود كيان معين في جميع الطرق القصيرة التي تصل بين كل كيانين في الشبكة. تبرز أهمية الكيان صاحب أعلى قيمة في هذا المقياس بأن له دورًا مهمًا في تمرير المعلومات بين الشبكات الفرعية التي يتصل بها، وهنا يتفوق على المحور في حال كان الأخير محصورًا في شبكة فرعية معينة يؤثر فيها، ولكنه لا يستطيع الوصول الى شبكات فرعية أخرى إلا بمساعدة الكيانات ذات البينية العالية.
- مقياس التأثير غير المباشر: يقيس مدى اتصال كيان عادي بكيانات أخرى مؤثرة (حققت نتائج عالية على المقاييس الثلاثة السابقة). من أهم تطبيقات هذا المقياس معرفة الكيانات التي تبدو عادية - مثلًا عدد علاقاتها صغير جدًا - ولكنها على قلة علاقاتها إلا أنها علاقات نوعية بكيانات محورية أو ذات قرب أو بينية عالية. هذه الكيانات تؤثر بشكل يصعب ملاحظته بسهولة على الكيانات المؤثرة الواضحة في الشبكة، وهذا ما جعل البعض يطلق على هذه الكيانات بالكاردينال الرمادي وهو القسيس المتحكم بآراء الكنيسة وقساوسة الصف الأول من وراء الكواليس ولا يعرفه الكثيرون.
(يوضح المثال أدناه جزءًا من شبكة "المؤثرين" في قطاع المصارف والأموال، عمل المرصد على تحديد "المؤثرين" فيها باستخدام المقاييس الأربعة السابقة.)